هل ستنجح السعودية وحلفاؤها في دخول صنعاء نهاية الشهر الجاري كما يروج اعلامها..؟ وما هي الضربة الكبرى التي يمكن ان تقلب كل الحسابات السعودية؟
8 فبراير، 2016
4٬442 15 دقائق
يمنات
عبد الباري عطوان
اعلن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز اليوم (الاحد) اثناء استقباله ضيوف مهرجان الجنادرية من كتاب واعلاميين ومفكرين “ان المملكة العربية السعودية لا تتدخل في شؤون الآخرين، ومن حقها الدفاع عن نفسها، ونطالب الآخرين بعدم التدخل في شؤوننا”.
كلام العاهل السعودي هذا يأتي في وقت تستعد فيه بلاده لارسال 150 الف جندي الى سورية، وتجري مناورات عسكرية مع دول اخرى مثل مصر والسودان استعدادا لهذا التدخل، تحت اسم “رعد الشمال”، وتخوض حربا في اليمن، ومن المتوقع ان تكون تركيا البوابة لدخول هذه القوات الى الاراضي السورية.
الهدف الرئيسي المعلن لهذا التدخل، هو القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية”، ولكن الهدف الحقيقي غير المعلن، هو تعزيز ومساندة قوات المعارضة السورية المسلحة في قتالها لاسقاط النظام في دمشق، وتغيير موازين القوى على الارض، بعد التقدم الكبير الذي حققته قوات الجيش العربي السوري في ريف حلب الشمالي والشرقي وفي محافظة درعا جنوبا بغطاء من الطيران الروسي.
***
السعودية باتت تعيش هذه الايام حالة من “الهوس″ على صعيدين: الاول، تجنب اي هزيمة سياسية او معنوية في سورية، والثأر من النظام الحاكم بعد ان استثمرت المليارات وخمس سنوات من الجهود السياسية والعسكرية لاطاحته، والثاني تشكيل تحالفات سياسية وعسكرية “سنية” في مواجهة “المحور الايراني”، وسورية احد اضلاعه الرئيسية، وتوظيف كل ما لديها من قدرات عسكرية ومالية في هذا المضمار، ايا كانت التكاليف المادية والبشرية.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي فتح اراضي بلاده ومطاراتها وموانئها لدخول المقاتلين القادمين من مختلف انحاء العالم للانضمام الى “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة”، و”الجيش الحر”، وكل فصائل المعارضة الاخرى، يرحب اليوم بدخول القوات السعودية ايضا، اي انه في المرة الاولى سمح لدخول “الدولة الاسلامية” والاسلحة والاموال التي عززتها، والآن يسمح للقوات والجيوش التي تريد القضاء عليها، انها مفارقة غريبة جدا لا تحدث الا في تركيا ودول عربية حليفة لها.
ارسال قوات سعودية وتركية وخليجية الى سورية يأتي في اطار خطة امريكية محكمة، اعلن عنها السناتور لينزي غراهام في مؤتمر صحافي في ايلول (سبتمبر) الماضي، عندما قال ان الاستعدادات تجري لدخول مئة الف مقاتل الى سورية لمحاربة “الدولة الاسلامية”، تسعون الفا منها من دول عربية، اما العشرة آلاف الباقية فستكون امريكية غربية، واعربت دولة الامارات العربية المتحدة في حينها، وفي تسريب على لسان السيد انور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية فيها ان الامارات ترحب بارسال قوات الى سورية، اذا تلقت طلب بذلك في اطار تحالف دولي، ولم يكن غريبا ان تكوت، وعلى لسان السيد قرقاش نفسه، اول الدول المرحبة بارسال قواتها الى سورية.
مصادر سعودية تتوقع ان يبدأ هذا التدخل العسكري الشهر المقبل، ومن غير المستبعد ان تكون الاردن احد بواباته، الى جانب البوابة التركية، باعتبار ان المسافة بين حدود الاردن والعاصمة دمشق لا تزيد عن 90 كيلومترا.
واللافت من كل ما تقدم، ان العاهل السعودي يؤكد ان بلاده لا تتدخل في شؤون الآخرين وتطالبهم بعدم التدخل في شؤونها، فاذا كان هذا التدخل العسكري الوشيك، وخمس سنوات من دعم المعارضة السورية المسلحة عسكريا وماليا، واستضافة مقرها في مدينة الرياض، وخوض حرب في اليمن ومقتل عشرة آلاف من ابنائه، لا يعتبر تدخلا، فما هو التدخل اذا؟ افيدونا.. افادكم الله.
لا نعرف ما اذا كان من الحكمة، وحسب القواعد العسكرية المعروفة، الدخول في حربين، واحدة في اليمن، والثانية في سورية في الوقت نفسه، ودون حسم الاولى، مثلما تفعل القيادة السعودية؟ وهل ستنجح القوات السعودية وحلفاؤها، مثلما يروج “خبراؤها” في دخول صنعاء مع نهاية هذا الشهر، وهزيمة قوات التحالف “الحوثي الصالحي”، واذا نجحت هل ستسيطر عليها وتفرض الامن وتنهي الحرب؟ وبما يمكن القوات السعودية وطائرات “عاصفة الحزم” للتفرغ للجبهة الجدية في سورية؟
لا نتسرع الاجابة، وبيننا وبين نهاية هذا الشهر حوالي 23 يوما.. وسننتظر، والمثل الشعبي يقول “المية تكذب الغطاس″، ونتساءل في الوقت نفسه عما اذا كانت السعودية دولة عظمى ثالثة ونحن لا نعلم؟ واين كانت هذه العزيمة القتالية طوال ستين عاما من الحروب العربية ضد الاحتلال الاسرائيلي؟
القيادة السعودية في حال من الاندفاع الثأري غير المسبوق، ومحفوف بالمخاطر، وابرزها السقوط في حفرة حرب من الصعب ان تخرج منها، فاذا كان التورط في حرب اليمن، البلد الفقير المعدم الذي لا يملك جيشا، ولا طائرات، ولا مدفعية حديثة، ولا دفاعات جوية، دخلت شهرها الحادي عشر دون اي “حسم” او حزم”، فكيف سيكون الحال عندما تواجه هذه القوات السعودية الطائرات الروسية الحديثة، وجيش سوري تمرس في حرب عصابات، واخرى تقليدية لاكثر من خمس سنوات، ويمتلك اسلحة روسية حديثة، ويحظى بدعم ايران وروسيا و”حزب الله”؟
حتى قتال “الدولة الاسلامية” ينبيء بمفاجآت قد تكون مرعبة بالنسبة الى هذه القيادة، فعقيدة الجيش السعودي (الوهابية) هي نفس عقيدة مقاتلي “الدولة الاسلامية” وقيادتها، فهل سيقاتل هذا الجيش نفسه او ابناءه؟ ثم ماذا لو قررت بعض وحداته التمرد على القيادة وانضمت الى صفوف “الدولة الاسلامية”؟
***
توماس فريدمان الصحافي الامريكي الذي زار المملكة قبل شهرين، والتقى الامير محمد بن نايف ولي العهد، والامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع، والحاكم الفعلي للسعودية، لاكثر من خمس ساعات، قال في لقاء مصور موجود على موقع الصحيفة “نيويورك تايمز″ بعد عودته من الرياض “ان اكثر ما يخافه المسؤولون السعوديون الذين التقيتهم هو هجوم “الدولة الاسلامية” على اسرائيل لان هذا يعني انهيار التحالف السني الذي يريدون اقامته، وانهيار استراتيجيتهم”، واضاف “المسؤولون الذين التقيتهم (محمد بن نايف ومحمد بن سلمان) لم يذكروا كلمة الصراع العربي الاسرائيلي، ولو مرة واحدة، وتحدثوا عن وجود 200 الف مبتعث سعودي في الجامعات الامريكية والاوروبية يعود منهم عشرون الفا سنويا”، يمكن ان يشكلوا خطرا من نوع آخر.
ما نستخلصه من اقوال الكاتب فريدمان الذي اتهم السعودية بأنها اخطر من ايران لتصديرها “الارهاب الوهابي” الى العالم، ان السعودية اذا حاربت “الدولة الاسلامية” وقضت عليها فمن اجل ازالة اي اخطار يمكن ان تهدد المملكة واسرائيل معا.
ايامنا المقبلة صعبة جدا.. ودموية جدا.. وحروب مفتوحة على كل الاحتمالات.. وشعوبنا، ومن ضمنها الشعب السعودي ايضا سيدفع الثمن الاكبر من دمائها وارواحها وثرواتها، ووحدتها الترابية، نقولها والمرارة في حلوقنا.. والايام بيننا.